الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
والهموم تنشط بصاحبها، قال هميان بن قحافة: وقال الخليل: النشط والإنشاط مدّك شيئاً إلى نفسك حتى تنحّل.{والسابحات سَبْحاً} قال علي: هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين، وقال الكلبي: هم الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين كالذي يسبح في الماء فأحياناً ينغمس وأحياناً يرتفع يسلونه سلا رفيقاً ثم يدعونها حتى يستريح، وقال مجاهد وأبو صالح: هم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كما يقال للفرس الجواد، سابح إذا أسرع في جريه، وقيل: هي خيل الغزاة. قال امرؤ القيس: وقال قتادة: هي النجوم والشمس والقمر. قال الله سبحانه: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] وقال عطا: هي السفن.{فالسابقات سَبْقاً} قال مجاهد وأبو روق: سقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح، مقاتل: هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، ابن مسعود: هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقضونها وقد عاينت السرور شوّقا إلى لقاء الله ورحمته وكرامته، عطا: هي الخيل، قتادة: النجوم تسبق بعضها بعضاً في المسير.{فالمدبرات أَمْراً} يعني الملائكة.أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن جعفر بن الطيب قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص قال: حدّثنا محمد بن خلف قال: حدّثنا أبو نعيم قال: حدّثنا الأعمش عن عمرو ابن مرّة عن عبد الرحمن بن سابط قال: يدبّر أمر الدنيا أربعة: جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل عليهم السلام، فأما جبريل فوكّل بالرياح، وأما ميكائيل فوكّل بالقطر والنبات وأمّا ملك الموت فوكّل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم.{يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة} يعني النفخة الأولى التي يتزلزل ويتحرّك لها كلّ شيء {تَتْبَعُهَا الرادفة} وهي النفخة الأخيرة وبينهما أربعون سنة، قال قتادة: هما صيحتان: أما الأولى فتميت كلّ شيء بإذن الله، وأمّا الأخرى فتحيي كلّ شيء بإذن الله، وقال مجاهد: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة} يعني تزلزل الأرض والجبال {تَتْبَعُهَا الرادفة} حين تنشق السماء ويحمل الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة، عطا: الراجفة: القيامة، والرادفة البعث، ابن زيد: الراجفة: الموت، والرادفة: الساعة، وأصل: الراجفة: الصوت والحركة ومنه سميت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها، وكلّ شيء ولى شيئاً وتبعه فقد ردفه.أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال: حدّثنا محمد بن هارون الحضرمي قال: حدّثنا الحسن بن عرفة قال: حدّثنا قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن عبد الله ابن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيّ بن كعب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام وقال: «يا أيها الناس اذكروا الله إذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه».واختلف العلماء في جواب القسم فقال بعض نُحاة الكوفة: جوابه مضمر مجازه: لتبعثن ولتحاسبُن، وقال بعض نُحاة البصرة: هو قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يخشى} وقيل: في الكلام تقديم وتأخير تقديره: يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة والنازعات غرقاً.{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} خائفة، مجاهد: وجلة، السدي: زائلة عن أماكنها، نظيره {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} [غافر: 18]، المؤرّخ: قلقة، قطرب: مستوفرة، يمان: غير هادئة ولا ساكنة، أبو عمرو بن العلا: مرتكضة، المبرد: مضطربة من وجيف الحركات يقال: وجف القلب ووجب فهو يجف ويجب وجوفاً ووجيفاً ووجوباً ووحيباً.{أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ} يعني هؤلاء المكذّبين للبعث من مشركي مكّة إذا قيل لهم: إنكم مبعوثون بعد الموت.{أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة} أي إلى أوّل الحال وابتداء الأمر فراجعون أحياء كما كنّا قبل حياتنا وهو من قول العرب: رجع فلان على حافرته إذا أرجع من حيث جاء، وقال الشاعر: ويقال: البعد عند الحافر وعند الحافرة أي في العاجل عند ابتداء الأمر وأول سومه، والتقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة أي عند أول كلمة.أخبرنا أبو بكر الجمشادي قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال: حدّثنا عمر بن مرزوق قال: أخبرنا عمران القطان قال: سمعت الحسن يقول: إنّا لمردودون إلى الدنيا فنصير أحياء كما كنا، قال الشاعر: وقال بعضهم: الحافرة الأرض التي فيها تحفر قبورهم فسُمّيت حافرة وهي بمعنى المحفورة كقوله سبحانه: {مَّآءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] و{عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] ومعنى الآية إنّا لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقاً جديداً ثم مردودون في قبورنا أمواتاً، وهذا قول مجاهد والخليل بن أحمد، وقيل: سمّيت الأرض حافرة، لأنها مستقر الحوافر كما سمي القدمُ أرضاً، لأنها على الأرض ومجاز الآية: نرد فنمشي على أقدامنا، وهذا معنى قول قتادة، وقال ابن زيد: الحافرة النار، وقرأ {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} قال: هي إسم من أسماء النار وما أكثر أسمائها.{أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً} قرأ أهل الكوفة وأيوب ناخرة بالألف، وهي قراءة عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وابن الزبير وابن مسعود وأصحابه، واختاره الفراء وابن جرير لوفاق رؤوس الآي، وقرأ الباقون بجرة بغير الألف، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم، قال أبو عبيد إنما اخترناه لحجتين: أحديهما: أن الجمهور الأعظم من الناس عليها، منهم أهل تهامة والحجاز والشام والبصرة، والثانية: إنّا قد نظرنا في الآثار التي فيها ذكر العظام التي قد نخرت فوجدناها كلّها العظام النخرة، ولم أسمع في شيء منها الناخرة، وكان أبو عمرو يحتج بحجة ثالثة قال: إنّما يكون تناخره إلى تنخرها، ولم يفعل، وهما لغتان في قول أكثر أهل اللسان مثل: الطمع والطامع والبخل والباخل والفره والفاره والجذر والجاذر، وفرّق بينهما فقالوا: النخرة: البالية، والناخرة: المجوّفة التي تمرّ فيها الريح فتخرّ أي تصوّت.{قَالُواْ} يعني المنكرين {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} رجعة غابنة قال الله سبحانه: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ} صيحة ونفخة {وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بالساهرة} يعني وجه الأرض صاروا على ظهر الأرض بعد ما كانوا في جوفها، والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة، قال أئمة أهل اللغة تراهم سمّوا ذلك بها لأنّ فيها نوم الحيوان سهّرهم فوصف بصفة ما فيه، واستدل ابن عباس والمفسرون بقول أمية بن أبي الصلت: أي لهم البر والبحر، وقال امرؤ القيس: وقال ابو ذؤيب: وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن لمهان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا جهاد عن أبي سنان عن أبي المنية {فَإِذَا هُم بالساهرة} جبل عند البيت المقدّس، وروى الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة {فَإِذَا هُم بالساهرة} قال الصقع الذي بين جبل حسان وجبل أريحا يمدّه الله كيف يشاء، وقال سفيان: هي أرض الشام، وقال قتادة: هي جهنم.
يعني مع ذلك.ودليل هذا التأويل قراءة مجاهد {وَالأَرْضَ عِنْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} وقيل بعد بمعنى قبل كقوله سبحانه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر} [الأنبياء: 105] أي من قبل الذكر وهو القرآن، وقال الهذلي: حملت الهي بعد عروة إذا نجا خراش وبعض الشراهون من بعض زعموا أن خراشا نجا قبل عروة.وقراءة العامة {والأرض} بالنصب، وقرأ الحسن {والأرض} رفعها بالأبتداء الرجوع الهاء وكلا الوجهين سائغان في عائد الذكر، والدّحو البسط والمدّ، ومنه أُدحيّ النعامة؛ لأنها تدحوه بصّدرها، يقال: دحا يدحوا دحواً ودحا يدحا دحياً لغتان مثل قولهم طغى يطغو أو يطغي وصغا يصغو ويصغي، ومحا يمحو ويمحي ولحي العود يلحوا أو يلحيّ، فمن قال: يدحو قال دحوت، ومن قال يدحا قال: دحيتُ.{أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا} قال القتيبي: أنظر كيف دلّ بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتاً ومتاعاً للأنعام من العشب والشجر والحبّ والتمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح، لأنّ النار من العيدان والملح من الماء.{والجبال أَرْسَاهَا} قراءة العامة بالنصب وقرأ عمرو بن عبيد بالرفع. {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الكبرى} وهي القيامة سميت بذلك؛ لأنها تطمُ على كلّ هائلة من الأمور فتغمر ما سواها بعظم هولها؛ أي يغلب، والطامة عند العرب الناهية التي لا تُستطاع، وإنّما أخرت من قولهم ظمّ الفرس طميمها إذا استفرغ جهده الجري.أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا محمد بن عمران قال: حدّثنا هناد ابن السهى قال: حدّثنا أبو أسامة عن ملك بن مغول عن القاسم الهمداني {فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الكبرى} قال الحسن: يسوق أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى} عمل في الدنيا من خير أو شر {وَبُرِّزَتِ الجحيم لِمَن يرى * فَأَمَّا مَن طغى * وَآثَرَ الحياة الدنيا * فَإِنَّ الجحيم هِيَ المأوى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النفس عَنِ الهوى * فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى * يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا} متى ظهورها وثبوتها {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إلى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ} علمها عند الله ولست من علمها في شيء قالت عائشة: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت هذه الآيات. {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} قراءة العامة بالإضافة وقرأ أبو جعفر وابن محيض منذر بالتنوين، ومثله روى العباس عن أبي عمرو.{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا} في الدنيا قيل: في قبورهم، {إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} قال الفراء: ليس للغاشية ضحى إنّما الضحى لصدر النهار ولكن هذا ظاهر من كلام العرب أن تقولوا أتتك العشية أو عداتها إنما معناه آخر يوم أو أوّله قال وأنشد بعض بني عقيل: عشية الهلال أو سرارها.... بمعني عشية الهلال أو عشية سرار العشية.
|